نتائج حرب بني وليد .
بقلم / خليل الرعصي .
بتاريخ 27 / 11 / 2012م .
رابط المقال :
بعد عملية تشاور مع منظمات دولية في طرابلس قمنا بتشكيل فريق تمكن من دخول بني وليد في الايام التالية مباشرة للحرب التي جرت تحت غطاء من الشرعية تمثل في القرار رقم 7 لسنة 2012م والذي كان مسبوقا بتبرير ديني من المفتي استند فيه لتراث عربي جاهلي بعيد عن التطور الذي لحق المجتمع الإنساني بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقات الدولية المجرمة لكل صور الانحطاط الإنساني من تعذيب وحرق للممتلكات وقتل عشوائي وذبح للاسرى.
وقد تبين لنا عمق المأساة التي خلفتها هذه الحرب من دمار للبيوت وتهجير للعائلات وانتقام همجي بشع ضد إخوة في الوطن والدين لأسباب اختلط فيها الجهوي والقبلي والديني والسياسي بحيث شكلت كلها تضارب في أذهان الناس فمنهم من تصورها على انها حرب على بقايا نظام سابق تجمعوا في أرض محصنة لمنعهم من استعادة الامر لهم ومنهم من تصورها على أنها محاولة لسيطرة جهة معينة على مقاليد الامر في البلاد والتي تعتبر بني وليد عقبة في طريقها للوصول إلي ذلك ومنهم من تصورها على أنها عملية ثأر قبلية بقيت تحت الرماد قرابة قرن من الزمان. ويبدو أن من شرعن لهذه الحرب في المؤتمر الوطني ومن اشترك فيها ليس لهم ذات الاسباب حيث أن الاسباب كلها كانت مجتمعة ومختلفة لدى من في المؤتمر الوطني ولدى من ذهب للجبهة. فكل ذهب للحرب وفي نفس سبب لها يختلف عن سبب رفيقه فالمبررات التي كانت في الجبهة الجنوبية ليست هي التي كانت دافعا للمحاربين في الجبهة الشمالية وهي ما يختلف اختلافا جدريا عنما كان لدى القادمين من الشرق والسبب الذي كان يدفع عبد الرحمن السويحلي وصلاح بادي في المؤتمر الوطني لم يكن هو السبب الذي يدفع ابو سنينه وغيره من السلفيين ولم يكن هو السبب الذي يدفع محمود عبد العزيز وجمعة عتيقه وصالح مخزوم. ونتيجة لتعدد دوافع المحاربين اختلفت أفعالهم فمنهم من حارب لثأر ومنهم من حارب لمغنم مادي ومنهم من حارب ليظهر ولاءه للدولة الجديدة بعد أن صمد مع النظام السابق لآخر رمق فيه ويرى أن حرب بني وليد تحقق له القبول لدى الحكام الجدد. ومنهم من حارب للقضاء على خصم سياسي مستقبلي محتمل.
ومهما يكن من أمر مبررات هذه الحرب، فانه يمكن لنا إيجاز نتائجها على النحو التالي:
1/ أن المحرك الرئيس لمن يسمون بالثوار اليوم بعيدا عن أن يوصف بالوطنية بعد السماء على الأرض فهم في اغلبهم تشكيلات قبلية جهوية لا تعرف للوطن معنى إلا من خلال ذلك المفهوم الذي كان عند الأجداد أو أجداد الأجداد من تقسيم الوطن إلي أوطان كوطن ورفلة ووطن ترهونة ووطن مصراتة ووطن البراعصة ووطن العبيدات.
2/ أن ما أرتكب في ليبيا بعد التحرير يفوق ما أرتكب قبله من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فلم تحرق كتائب القذافي منازل المواطنين بنفس العدد وبنفس الكيف الذي حرقت به المنازل بني وليد لوحدها من قبل المليشيات المسلحة ولم يقتل تحت التعذيب في عهد القذافي العدد الذي قتل بعده ولم يكن هناك سجون سرية في عهد القذافي بنفس الكم الموجود في مصراتة وطرابلس. ولم تهجر مدن بقدر ما هجر من قبل من يسمون بالثوار. رغم أن نظام القدافي دام اثنين واربعين عاما ولم يمض على فبراير إلا عامين.
3/ إن التمييز العنصري الذي ظهر لدى من كانوا يرفعون شعار ليبيا تتسع للجميع وليبيا وحدة وطنية هو تمييز عميق لا علاقة له بفكر إيديولوجي كما في حركة اللجان الثورية القذافية التي كان ينتمي لها كل فرد يظهر الولاء بغض النظر عن لونه وجنسه وأصله وفصله. وإنما هو تمييز جاهلي جهوي وهو ما ولد القبض على الهوية والتعذيب على مكان الميلاد وسلب الممتلكات على الإقامة والاستبعاد من وظائف محددة على اللقب.
4/ أن السائد من فهم الإسلام في ليبيا اليوم يتطابق تماما مع فكرة الغرب عن الإسلام ويعتبر حجة داعمة لها. فهو فهم يؤكد أن الإسلام دين إرهاب وعنف وأنه يربي النفس على السلب وهو الفهم الذي سمح بالاستيلاء على الممتلكات تحت مبرر الغنائم وهو الفهم الذي سمح أيضا بالقصف العشوائي على المدنيين بدعوى أن قتل أهل مدينة وإحراق منازلهم مبرر لأن كتب الفقه مليئة بفتوى جواز إهلاك الثلثين لكي يحيى الثلث ولو كان ذلك على اساس من التبعية للغرب والعرب وفقدان السيادة للوطن والكرامة للمواطن. ودليل ذلك ارتكاب أبشع الجرائم التي تقشر لها الأبدان تحت شعار التكبير ومن قبل من هم أئمة لمساجد وأمراء لكتائب سيماهم على وجوهم من أثر السجود.
5/ أن كثير ممن وقف ضد القذافي لم يقف ضده لأنه كان ظالما أو فاسدا بل لأنه يريد أن يحكم بدله أو أنه لم يتحصل منه على ما كان يريد من جاه ومال أو أنه أخذ منه كفايته وانضم للقادم الذي ظهر في الأفق حماية للمال والنفس بدليل أن كثير منهم لم يتورع على أن يدفع باتجاه سفك الدم الليبي تحت حجج واهية ولم يتورع عن اختلاس أموال الليبيين ومحاولة توجيهها لمنطقة معينة من جديد بعد أن تمكن منها بمساعدة الغرب والشرق. ولا يهم وضع اليد في يد الغربي من أجل ذلك لأن الغاية تبرر الوسيلة وهو تفكير من الظلم وصفه بالثوري.
6/ أن ليبيا اليوم محكومة من أفراد على رأس مليشيات أو أفراد في السلطات الرسمية ينتمون لمليشيات أو تحميهم مليشيات من المفترض أن يكونوا في السجون وان تصدر بشأنهم مذكرات قبض دولية لا أن يتحكموا في مصير الليبيين.
7/ أن الرادع الوحيد لمنع ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية في ليبيا هو التدخل الدولي فالإسلام ليس برادع حتى للحاملين لكتاب الله والمكبرين باسمه والملتحين اقتداء بسنة نبيه والحكومة تحتاج لحماية لكي تستطيع ان توفر الحماية والمحاكم أدنى للعجز التام رغم ما يحاول الآفاقين إيهام الناس به من أنها بألف خير.
8/ أن مؤسسات الدولة تحتاج للتطهير من أزلام الثوار الجدد بقدر احتياجها للتطهير من أزلام القذافي. وربما تكون الحاجة لتطهيرها من أزلام المفتي وأزلام أمراء الحرب أكثر إلحاحا لأنهم هم من يفسدون الدنيا والدين اليوم ويشرعون التمييز القبلي والجهوي بين الليبيين ويجدون الأسس الشرعية لسفك دمائهم وتشريد أطفالهم ونهب أموالهم. أم إفساد أزلام القذافي فقد كان بالأمس وأصبح من الماضي .